اتجاهات أسعار الوقود في المملكة العربية السعودية (2010–2025)

يُنظر تقليديًا إلى المملكة العربية السعودية بوصفها إحدى الدول التي تتمتع بأدنى أسعار للوقود عالميًا، وذلك بفضل ما كانت تقدّمه من دعم حكومي سخي. ففي الفترة بين عام 2010 ومنتصف العقد الأول من الألفية الثانية، ثُبِّتت أسعار البنزين والديزل عند مستويات منخفضة للغاية (نحو 0.45 ريال للّتر من البنزين 91) ولم تتغيّر لسنوات. لكن مع تراجع عائدات النفط بعد عام 2014، جاء الإعلان عن أول تخفيض للدعم في ديسمبر 2015، حيث ارتفع سعر البنزين 91 من 0.45 إلى 0.75 ريال للّتر (أي زيادة تقارب 67%)، كما ارتفع البنزين 95 من 0.60 إلى 0.90 ريال للّتر. وقد شكلت هذه الزيادة في أسعار الوقود عام 2016 نقطة تحول مهمة، إذ دشّنت مرحلة جديدة من ارتفاع أسعار الطاقة المحلية بعد عقود من الاستقرار.

وفي يناير 2018، شهدت البلاد موجة أخرى أكبر من رفع الدعم، تزامنت مع فرض ضريبة القيمة المضافة (5%). ارتفع خلالها سعر البنزين 91 من 0.75 إلى 1.37 ريال للّتر (+82%)، وسعر البنزين 95 من 0.90 إلى 2.04 ريال للّتر (+126%). فيما ظلت أسعار الديزل للشاحنات دون تغيير في بداية 2018، إلّا أن أسعار البنزين تضاعفت عمومًا خلال عامين فقط. جاءت تلك الزيادات جزءًا من إصلاحات مالية واسعة تهدف إلى الحد من الاستهلاك المفرط وتخفيف الأعباء المالية للدعم الحكومي. وعلى الرغم من أن هذه الارتفاعات أبقت الوقود السعودي أقلّ من المستويات العالمية، فقد بدأت ملامح انتهاء عصر البنزين شديد الرخص تتضح.

بعد عام 2018، انتقلت المملكة إلى نهج أكثر مرونة في تسعير الوقود، بحيث يتم ربطه بأسعار النفط العالمية. شرعت أرامكو في مراجعة أسعار البنزين كل ثلاثة أشهر بين 2018 و2019، ثم ارتفعت الأسعار تدريجيًا بحلول منتصف 2019. وفي أوائل 2020، أصبحت المراجعات شهرية، ما جعل الأسعار المحلية تتحرك صعودًا أو هبوطًا تماشيًا مع تقلّبات السوق العالمية. أحيانًا أدى ذلك إلى انخفاضات طفيفة عندما تراجعت أسعار النفط دوليًا، ثم عادت للارتفاع مع تعافي الأسواق النفطية في 2021.

وفي خطوة مهمة في يوليو 2021، تدخّلت الحكومة لتحديد سقف لسعر البنزين (عند 2.18 ريال لأوكتان 91 و2.33 ريال لأوكتان 95) من أجل تخفيف تكاليف المعيشة على المستهلكين، مع تحمّل الدولة أي مبالغ تتجاوز هذا السقف. وبقيت الأسعار مستقرة عند هذه الحدود حتى عام 2024. على الجانب الآخر، استمرت أسعار الديزل – التي ظلت منخفضة لفترة طويلة – في الارتفاع على مراحل. ففي يناير 2024 ارتفعت بنسبة 53%، وفي يناير 2025 بنسبة 44%، ليصل سعر الديزل إلى نحو 1.66 ريال للتر (0.44 دولار). وبذلك تضاعف سعر الديزل أكثر من مرة منذ عام 2022، في إطار مساعي كبح الطلب المحلي المتزايد، وخصوصًا مع توسع المشاريع التنموية ضمن رؤية 2030.

وعمومًا، بين عامي 2010 و2025، شهدت أسعار الوقود في محطات التعبئة السعودية ارتفاعات كبيرة؛ إذ ارتفع بنزين 91 من 0.45 ريال إلى 2.18 ريال (بزيادة خمسة أضعاف تقريبًا)، وقفز الديزل بدوره من بضع سنتات للتر ليبلغ مستويات أعلى بكثير. ومع ذلك، تظل الأسعار معتدلة نسبيًا بمقاييس عالمية، بفضل السقوف السعرية وجزء من الدعم الحكومي المستمر.

المقارنة مع دول الخليج والأسواق العالمية

يأتي تحوّل تسعير الوقود في السعودية ضمن سياق أشمل شهدته دول مجلس التعاون الخليجي بعد انخفاض أسعار النفط عام 2014. فقد بدأت دول خليجية عدة برفع الأسعار المحلية بنسب متفاوتة. كانت الإمارات العربية المتحدة سبّاقة إلى تحرير أسعار البنزين عام 2015، مما جعل الأسعار فيها تتغير شهريًا وفق السوق العالمية. في حين اعتمدت قطر وعُمان آليات تسعير شهرية منذ نحو عام 2016، ما أدى إلى تقليص الدعم تدريجيًا. أما البحرين والكويت، فاتخذتا نهجًا أكثر تحفظًا برفع الأسعار جزئيًا ثم تثبيتها.

وتقع أسعار الوقود في السعودية حاليًا في منتصف النطاق الخليجي تقريبًا؛ فهي لا تزال أعلى من الكويت والبحرين، لكنها أدنى مما هي عليه في الأسواق الخليجية المحررة بالكامل. أما في الأسواق العالمية، فإن متوسط سعر البنزين يتجاوز الضعف مقارنة بالسعودية. فلا تزال دول النفط الغنية أو التي تحتفظ بدعم جزئي تقدّم للمستهلك وقودًا أرخص، في حين تعتمد الدول المستوردة على الضرائب التي ترفع الأسعار النهائية. وبالمقارنة مع هذه الأسواق، يبقى الوقود في المملكة أقل تكلفة بنحو نصف المتوسط العالمي – ما يعكس دور الدعم (وإن كان متناقصًا) في إبقاء الأسعار للمستهلك أقل من الدول الأخرى. وقد سعت الإصلاحات ضمن رؤية 2030 إلى تقريب أسعار الوقود المحلية من المستويات الدولية بهدف تعزيز الكفاءة والاستدامة المالية، مع الحرص على الجوانب الاجتماعية بتخفيف وتيرة الزيادات عند الضرورة (كما حدث مع وضع السقف عام 2021). وعلى الرغم من الارتفاعات الحادة منذ 2010، فلا تزال الأسعار في السعودية أقل بكثير من نظيراتها العالمية أو في بعض دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

الأثر على الشركات العاملة بأساطيل المركبات

بالنسبة للشركات التي تشغّل أساطيل كبيرة، يمثّل ارتفاع أسعار الوقود تحدّيًا ملموسًا. فتكاليف الوقود التي كانت في السابق بندًا ثانويًا باتت اليوم تمثّل جزءًا كبيرًا من المصروفات التشغيلية. وعندما تضاعف سعر الديزل في غضون بضع سنوات، واجهت شركات الشحن والتوزيع ضغوطًا كبيرة على هوامش أرباحها. وينعكس هذا الارتفاع في شكل تضخّمٍ ناتج عن التكاليف؛ إذ يغدو كل كيلومتر مقطوع أغلى ثمنًا. وإذا لم تتم إدارة هذه الزيادة، قد تنخفض الأرباح أو يُضطرّ مزوّدو الخدمات إلى رفع أسعار الشحن والنقل، مما يؤدي في النهاية إلى زيادة أسعار السلع والخدمات النهائية.

وقد شهدت بعض المؤسسات الكبرى في المملكة تأثيرًا متفاوتًا؛ فالشركات التي تعتمد بصورة مباشرة على النقل – مثل شركات التوزيع الكبرى العاملة في قطاع الأغذية والمشروبات – قد تتحمّل مئات الملايين من الريالات تكاليف إضافية سنويًا بسبب ارتفاع أسعار الوقود وحده، ما يستلزم خططًا محكمة للحد من هذه التبعات. في المقابل، هناك شركات صناعية تعمل في قطاعات لا تعتمد نقلًا كثيفًا، فتتأثر بشكل أخف. في المجمل، بات الوقود عنصرًا استراتيجيًا في إدارة الأعمال، خصوصًا لمن يعتمد على أساطيل نقل ضخمة. ويزداد هذا التحدي مع تناقص ميزة الوقود الرخيص، إذ تقترب الأسعار في السعودية من نظيراتها العالمية، مما يدفع الشركات إلى تبني أساليب تشغيلية أكثر كفاءة ومواكبة أفضل الممارسات الدولية.

استراتيجيات التكيف للشركات ذات الأساطيل الكبيرة

فيما يلي بعض الاستراتيجيات العملية التي يمكن أن تعتمدها الشركات للحد من أثر ارتفاع أسعار الوقود، والحفاظ على ربحيتها وتنافسيتها:

  1. تحسين كفاءة الاستهلاك وممارسات القيادة:
    • تدريب السائقين على القيادة الاقتصادية (تجنّب التسارع المفاجئ والوقوف المُطوّل بالمحرك قيد التشغيل).
    • تصميم المسارات بذكاء لتقليل المسافات المقطوعة والازدحام.
    • إجراء الصيانة الدورية بدقة (ضبط المحركات، فحص الإطارات، إلخ) لتحقيق أفضل معدلات الاستهلاك.
    • مراقبة مؤشرات الأداء الخاصة بالوقود في كل مركبة، ووضع أهداف للتحسين المستمر.
  2. استخدام التقنيات وأنظمة التتبع (Telematics):
    • تركيب أنظمة التتبع والقياس داخل المركبات لرصد سلوك السائقين ونمط استهلاك الوقود.
    • تحليل البيانات بشكل دوري لاكتشاف أي حالات هدر أو قيادة غير فعالة، ثم تصحيحها.
    • جدولة الصيانة الاستباقية عبر تلقي التنبيهات من أنظمة التتبع.
    • الاستفادة من البرمجيات المتقدمة لتخطيط المسارات وجدولة الشحنات بشكل يقلل عدد الرحلات.
  3. تبنّي بدائل الوقود والمركبات:
    • النظر في المركبات الكهربائية (EV) للمسافات المتوسطة أو بعض عمليات النقل، ما يلغي تكلفة الوقود التقليدي.
    • اختيار المركبات الهجينة أو الوقود البديل مثل الغاز الطبيعي المضغوط أو الغاز المسال (إن توفّرت البنية التحتية).
    • إجراء دراسات “التكلفة الإجمالية للملكية” للمقارنة بين أنواع المركبات والوقود المختلفة، خصوصًا مع ارتفاع أسعار الديزل والبنزين.
    • بدء مشاريع تجريبية صغيرة للتأكّد من فعالية البدائل قبل تعميمها.
  4. إدارة مالية محكمة وسياسات شراء الوقود:
    • إضافة رسوم وقود متغيّرة في عقود الشحن، بحيث ترتفع أو تنخفض وفقًا لمؤشرات أسعار الوقود.
    • إعداد ميزانيات وسيناريوهات متعددة للتنبؤ بالارتفاع المحتمل والتخطيط له مسبقًا.
    • استكشاف عقود التحوط أو الشراء بالجملة لتثبيت الأسعار عند مستويات مناسبة.
    • تشديد المراقبة على شراء الوقود واستهلاكه بتقنيات مثل بطاقات الوقود الذكية وكشف حالات الإسراف.

عند دمج عدة خطوات مما سبق، يمكن للشركات تحقيق تحسّن مهم في مستويات الاستهلاك، يعادل أو يفوق الزيادات التي طرأت على سعر اللتر. ولعلّ جوهر هذه الخطوات يتمثل في بناء ثقافة قائمة على كفاءة الموارد وترشيد النفقات، وهي عوامل أساسية للصمود في وجه ارتفاع التكاليف التشغيلية.

الخاتمة

على مدى العقد ونصف العقد الماضي، انتقلت أسعار الوقود في السعودية من مستويات شديدة الانخفاض والثبات إلى منظومة أكثر مرونة ومواءمة للأسواق الدولية، مع ارتفاع ملحوظ في الأسعار بفعل إصلاحات الدعم والسياسات المالية. وإذ لم تعد المملكة الأرخص خليجيًا كما في السابق، فإنّها ما زالت تقدّم وقودًا أقلّ تكلفة من المعدلات العالمية، وإنْ تقلّصت هذه الفجوة بصورة ملحوظة.

بالنسبة للشركات التي تعتمد على أساطيل كبيرة، يعني ذلك أنّ الوقود لم يعد بندًا ثانويًا في الميزانية، بل صار عاملًا محوريًا في إدارة التكاليف وتحديد القدرة التنافسية. ومع ذلك، يمكن لهذه الشركات التغلّب على تحديات ارتفاع التكاليف من خلال تطبيق ممارسات محسّنة وكفؤة، كالتدريب والترشيد والتتبع التقني وتبنّي بدائل الوقود، إلى جانب استراتيجيات مالية حصيفة تحمي من التقلّبات.

وفي نهاية المطاف، يمثّل ارتفاع أسعار الوقود فرصةً لتعزيز الكفاءة وتبنّي حلول أكثر حداثة، ما قد يُفضي إلى تحسين الأداء العام وتحقيق وفر كبير على المدى البعيد. إنّ الشركات التي تخطّط بمرونة وتتبنّى نهجًا استباقيًا ستتمكن من الحفاظ على تنافسيتها وربحيتها في ظل البيئة الجديدة لتسعير الوقود في المملكة العربية السعودية.